الأحد، أغسطس 31، 2008

العملاق الاسمر يوسف صديق-2

الاسد الذى خرج من معتقله ومنفاه لينصر مصر
كان يوسف صديق شاعرًا أيضًا.. وربما لأن «مفرمة» الثورة لا تستدعي شعراءً، فقد جرفته الأحداث خارج الدائرة، إلي أن أنصفه التاريخ وأعاده إلي الموقع الذي يناسبه، كتب يوسف صديق في منفاه بسويسرا أبياتًا يجسد فيها ما جري له
قال:إيفون إني غريب في دياركمو
وللغريب نوال القصد والأملأنا
من بلادٍ رواها النيل في كرموفي
وفاءٍ كساها أجمل الحلل
الحق في جانبي والظالمون همو
والله ينصر أهل الحق في الجلل
.وفي ٢٧ أغسطس من عام ١٩٥٢ وفي أسلوب أدبي رفيع وعلي صفحات مجلة «آخر ساعة»، وفي مقال يحمل عنوان «من هم ضباط محمد نجيب؟»
كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل عن يوسف صديق قائلاً: «العملاق الأسمر، ذو العينين الحمراوين.. عملاق طويل عريض لفحته الشمس في معسكرات الجيش فجعلته أشبه ما يكون بتمثال من البرونز لفارس محارب مدرع من القرون الوسطي دبت فيه الحياة بمعجزة فخرج إلي عالم المغامرات.. هناك لازمتان تميزانه دائمًا شعر منكوش مهوش، وعينان حمراوان من قلة النوم وكثرة ما يبذل من جهد، قدمه لي لأول مرة اللواء محمد نجيب وكان ذلك قبل حركة القوات المسلحة ببضعة أيام، كنت جالسًا مع اللواء محمد نجيب وكان ساخطًا علي كل ما يحدث وقال لي بين ما قال: لقد فكرت في أن أستقيل من الجيش.. وفجأة ظهر العملاق الطويل القامة الذي يشبه تماثيل البرونز السمراء، ظهر علي باب الشرفة واشترك في المناقشة وهو في مكانه قائلاً: لا... يجب ألا تستقيل.. كلنا نري أن تبقي معنا..
.ويمضي الأستاذ هيكل في وصفه التصويري قائلاً:كان شكله فجر يوم حركة القوات المسلحة رائعًا، كان هو الذي قاد جزءًا مهمًا في عملية القبض علي قادة الأسلحة من لواءات الجيش القدامي، لقد قام بهذه العملية الخطيرة بمنتهي الثبات والجرأة والسرعة.وبعد الحركة بثلاثة أيام وعلي وجه التحديد في يوم السبت ٢٦ يوليو اليوم الذي خلع فيه الملك عن العرش لقيته جالسًا في إحدي الشرفات في مركز رئاسة قوات الجيش وكان قد حلق ذقنه..وخلع عنه البدلة التي ظلت علي جسده خمسة أيام متواصلة ليل نهار وكان يحتسي فنجانًا من القهوة وفي عينيه صفاء غريب،
أشبه ما يكون بأحلام الشعراء وهو الذي كان ليلة الحركة إعصارًا هائجًا، لا يبقي ولا يذر،
ونتوقف عن هذا الحد من الوصف البديع والدقيق الذي كتبه الأستاذ هيكل عند واحد من فرسان المقدمة في ثورة يوليو،وننتقل إلي كلام يوسف صديق نفسه الموجود في مذكراته، وهو يتحدث عن دوره في ثورة يوليو وفي هذه المذكرات وفي صفحة ٢٧ وعن اللحظات الأولي في الثورة
يقول يوسف صديق: أسرعت بقوة نحو مبني القيادة ففوجئت بنيران توجه إلينا ولما ردت قواتنا علي نيران الحرس بنيران حامية عرف الحرس أنه أمام قوة تفوقه عددًا فبدأ يتراجع وبعد لحظات توقفت نيرانه تمامًا تعرفت أن ذخيرته قد نفدت فأمرت بإيقاف إطلاق النار،ثم أصدرت أمري إلي قوة الحرس أن تلقي أسلحتها علي الأرض ففعلت دون تردد ثم أمرتها بالاتجاه إلي الخلف ففعلت ثم أمرتها بالسير بعيدًا عن السلاح فنفذت الأمر، وتركت حراسة عليها وعلي المدخل ولم يبق أمامي سوي الصعود إلي الطابق العلوي لمهاجمة الاجتماع «أي اجتماع القادة» وهناك المزيد من التفصيلات التي قدمها يوسف صديق ونجدها علي صفحات مجلة روزاليوسف وقد روي هذه التفاصيل أثناء أزمة مارس
ويقول يوسف في هذه التفصيلات:«تحركت علي رأس هذه القوة الصغيرة في منتصف ليل ٢٣ يوليو ٥٢ فقابلت في طريقي من معسكر هايكتسب إلي إدارة الحرس قائد فرقة المشاة العسكرية فاعتقلته وأخذته أسيرًا ثم قابلت القائد الثاني المساعد في الطريق فاعتقلته كذلك وقد صادفت البكباشي جمال عبدالناصر والصاغ عبدالحكيم عامر في مصر الجديدة حيث علمت منهما أن أمر الضباط الأحرار قد انكشف وأن رئيس أركان حرب الجيش يعقد اجتماعًا في رئاسة الجيش ليصدر أوامره لمقاومة الحركة فأسرعت إلي مقر الاجتماع علي الفور وهاجمت القيادة وقبضت علي رئيس الأركان ومعظم القادة الذين كانوا في طريقهم إليه وكذلك قبضت علي القوات التي أرسلت لتعزيز الحراسة علي الرئاسة فقضيت بذلك علي المقاومة وأصبح للضباط الأحرار الأمر في البلاد..وفي فبراير من عام ١٩٥٣
اتصل يوسف صديق من أسوان بجمال عبدالناصر وأخبره بأنه لا يمكنه البقاء في مجلس قيادة الثورة وطلب منه أن يعتبره مستقيلاً فاستدعاه عبدالناصر إلي القاهرة ونصحه بالسفر للعلاج في سويسرا، لثلاثة أشهر يعود بها إلي مصر منضمًا لصفوف الجيش،وفي مارس كان يوسف في سويسرا لكن عودته لم يكن مرغوبًا فيها،
فيعود سرًا إلي بلدته «زاوية المصلوب - مركز الواسطي - محافظة بني سويف» في أغسطس عام ١٩٥٣ وأرسل من هناك برقية إلي اللواء محمد نجيب يبلغه فيها بعودته واستقالته من الجيش ومن مجلس قيادة الثورة فتم تحديد اقامته في بلدته ولما عاد إلي القاهرة تم تحديد إقامته فيها،
ويصف يوسف صديق هذا الأمر بقوله: «ومن طريف ما يمكن أن أذكره أن منزلي بحلمية الزيتون حيث إقامتي محددة كان لا يفصله عن منزل الزميل محمد نجيب إلا شارع واحد هو الممر بين الحر المعتقل والمعتقل الحر».وفي أبريل ١٩٥٤ تم اعتقال يوسف صديق في السجن الحربي،
وتم اعتقال زوجته وأبنائه، وأفرج عنه في مايو ١٩٥٥ وظلت إقامته محددة حتي أكتوبر ١٩٥٦ إلي أن وقع العدوان الثلاثي علي مصر فخرج البطل الجسور يدافع عن تراب مصر وفي صباح ٣١ مارس ١٩٧٥ رحل عن عالمنا.بقي أن نقول إنه من مواليد ٣ يناير ١٩١٠ في إحدي قري صعيد مصر، وتخرج في الكلية الحربية عام ١٩٣٣ وتخصص في التاريخ العسكري وحصل علي شهادة أركان حرب عام ١٩٤٥.

ليست هناك تعليقات: