السبت، فبراير 26، 2011

الطريق الى الميدان-الجزء الثاني



-2-


" السلطة لا تفسد الرجال، إنما الأغبياء إن وضعوا في السلطة فإنهم يفسدونها "


.....جورج برنارد شو




27- نوفمبر 2010



عند ملتقى قارتي آسيا وأفريقيا، في جنوب سيناء، مدينة من اجمل مدن العالم والتى يطلق عليها اهلها جوهرة سيناء او كما يلقبها العالم بمدينة السلام والتى توجد بها وحولها أهم المحميات الطبيعية في رأس محمد ونبق ، هى مدينة شرم الشيخ .



أمام شرم الشيخ توجد جزيرتا تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة،ومن أهم مناطقها رأس نصرانى ورأس أم سيد إلى جانب رأس محمد،وفي كل يوم تشهد مدينة شرم الشيخ في محافظة جنوب سيناء جديدا، بحيث أن من زارها بالأمس يكتشف شيئا مختلفا إذا زارها اليوم،هذه هي الحقيقة التي تحولت معها هذه الصحراء الشاسعة والجبال الشاهقة عند ملتقي خليج العقبة وخليج السويس والبحر الأحمر إلى مدينة عصرية خلال سنوات قليله،والتي أهلت شرم الشيخ للفوز بجائزة منظمة اليونسكو لاختيارها ضمن أفضل خمس مدن سلام على مستوى العالم من بين 400 مدينة عالمية .



وفى قلب مدينة السلام تجد قطعة من الجنة التي تجذب السائحين للدخول اليها والاقامة بها بعض الوقت ،فهناك في خليج نعمة تتلاقى السماء مع مياه البحر الأحمر الصافية الغنية بالشعاب المرجانية المبهرة، والرمال الناعمة والشمس الدافئة التي تسطع من بين سلاسل الجبال الملونة لتنشر أشعتها بين الصحارى والوديان وتعد تلك البقعة الصغيرة، من أجمل شواطئ البحر الأحمر .



وقفت فتاة في منتصف العقد الثاني من عمرها يبدو عليها النشاط والحيوية ، ترتدى نظارة شمس سوداء وتضع فوق راسها كاب لماركة شهيرة تخفى تحته شعرها الذهبي ممسكة ببعض الرسومات والاوراق امام محل تحت التجديد في شارع السلطان قابوس، او كما يطلق عليه البعض اسم شانزليزيه شرم الشيخ، حيث يعج بالمحال التجارية والمطاعم التي تقدم المأكولات الشرقية والغربية والآسيوية، فضلا عن المقاهي بمختلف أنواعها .



وكانت تتابع باهتمام وشغف اعمال التجديد التى تتم ، تارة تسجل بعض الاشياء وتارة تتحدث مع العمال والفنيين وتوجههم ويبدوا انها المهندسة المنوط بها اعمال الديكور



واثناء ذلك دق جرس هاتفها الجوال فنظرت لشاشته فتبدلت ملامحها فى لحظة من الجدية والصرامة الى الابتسام والرقة مما زادها فتنه على فتنتها الواضحة وابتعدت عن موقع العمل قليلا ثم اجابت بصوت يملؤه الحب والحنان :- ( وحشتني )



فجاءها الرد على الطرف الاخر :- ( انتى بقى موحشتنيش )



فقالت وهى تضحك بعذوبة :- (كداب)



فقال من على الطرف الاخر ضاحكا :- (طبعا كداب .. وحشتيني جدا يا همت )



فقالت :- ( وانت اكتر يا معتصم .. طمنى عليك يا حبيبي وعلى الرسالة )



فتنهد تنهيدة حارة ثم قال :- ( مطلعة عينى بس خلاص هانت ،اول السنة الجاية هناقش ان شاء الله )



فقالت بحب :- ( ربنا يوفقك يا حبيبيى وان شاء الله تبقى امتياز مع مرتبة الشرف الاولى )



ثم اكملت وكانها تذكرت شيئا :- ( وطبعا هتقولى اقبلها عشان اجيلك لندن واكون جنبك وانت بتحقق حلمك يا معتصم )



فاجاب معتصم موافقا :- ( طبعا يا حبيبى انتى وماما وبابا واخواتى ، كلكم لازم تبقوا معايا )



ثم اكمل متسائلا :- ( انتى لسة فى شرم الشيخ ؟)



فأجابت :- ( ايوة ، وطالع عيني ، بس متخفش حبيبتك راجل واقف زى الوحش فى الموقع )



فقال مداعبا:- (( راجل .. طيب فرصة سعيدة اوى .. مش طموحى اتجوز راجل الحقيقة )



فقالت متذمرة :- ( كدة يا معتصم )



فقال ضاحكا :- ( طب ااقولك اية ؟ مش انتى اللى بتقوليلى راجل )



فقالت :- ( انا بقول كدة عشان ماتخفش عليا ولا تغير يا شرير )



فقال وكأنه يستفزها:- ( أغير!!! ليه اغير؟ )



فقالت بتحفز :- ( معتصم )



فاستدرج سريعا :- (حبيب قلبى ، انا بهزر )



فقالت وهى تشد قامتها بكبرياء:- ( ايوه كده ، رجاله ماتجيش غير بالعين الحمرا)



فقال بحب وصوت هادىء :- ( بس انا ما بجيش الا بالعيون الزرق )



فتخبضت وجنتيها بحمرة الخجل فقد فهمت مايعنية فهو يقصدها اشارة الى عينيها الزرقاوتان فقالت باستسلام يشوبه الجديه فى محاولة اخيرة لتخفى ما يعتمل بداخلها :- (يووووه بقى يا معتصم )



فقال مغيرا دفة الحديث وكأنه احس بها :- ( هترجعي القاهره امتى ؟ )



فقالت باسمه :- ( انهاردة فى طيارة بليل عشان بكرة انتخابات مجلس الشعب هروح انتخب وارجع تانى)



فقال باستياء:- ( انتخابات اية دى اللى تسيبى شغلك عشانها ، ماهى هتتزور زى كل مره )



فقالت بعناد :- (لا مش هتتزور ، الرئيس وعد الاحزاب بالنزاهه والشفافيه )



فقال ساخرا :- ( ده على اساس انه رئيس جديد ،،وانه مازورش انتخابات قبل كدة وبقالة 29 سنه بيحكمنا )



فقالت بتحد :- ( الرئيس مابيزورش يا معتصم ، هو كويس اللى حواليه هما اللى وحشين ، وهو وعد ان مافيش تزوير ،وانا بثق في )



فقال باستياء :- ( انتى ساذجة يا بنتى ، وهو مين اللى جاب اللى حوالية دول وسايبهم فى السلطة ، أمى !!!)



فاجابت :- ( كل نظام لية اخطائة والراجل بيحاول يصلح ،نساعدة بقى ولا نسيب الفاسدين حوالية ، دورنا انننا نشارك ونصدق ان بكرة احسن والا هننفجر وساعتها هندمر بايدينا كل حاجة ، الحلو والوحش )



ثم اكملت وكانها تذكرت شيئا :- ( وبعدين انتخابات 2005 كانت كويسة بدليل الاخوان والمستقلين اللى فى البرلمان )



فقال متهكما :- (فى اول جولة بس وساعتها انكشف الحزب والحكومة على حقيقتهم وانهم مكروهين ، فكانت النتيجة تزوير فادح وعلنى فى الجولتين التانيه والتالته، صح ولا انا مفترى )



فقالت بنبرة منكسرة :- ( لا مش مفترى )



ثم اكمل :- ( وبعدين اللى عايز شفافية ونزاههه يلغى اشراف القضاء على الانتخابات !!! )


فاجابت :- ( فى لجنة عليا للاشراف على الانتخابات بنص المادة 88 من الدستور،رئيسها رئيس محكمة استئناف القاهرة وفيها اعضاء من الهيئة القضائية الحاليين والسابقين يعنى شاراف على الانتخابات اهوه )



فاجاب سا خرا :- ( انتى مصدقة اللى بتقولية دة )



فصمتت دون ان تدري ماتقول فهى بالفعل ترى ان هذه اللجنة مجرد واجهه شرعية لشىء سيتم غير شرعي ، فأكمل معتصم قائلا :- ( التزوير مش فى اعلان النتيجة ولا فى الفرز بس يا همت اصل التزوير هو الصندوق الانتاخبي ، لو الصندوق سليم يبقى 70% من العملية الانتخابية سليمة)



فاجابت قائلة :- ( مظبوط بدليل الاشراف القضائي فى 2005 النزيه فى الجولة الاولى نجح كثير من الاخوان )



فـقال :- ( اوعى تفتكرى الناس رشحت الاخوان حب فيهم ، دة كرة للنظام واى حد ضد النظام الناس معاه ، يبقى اللى عايز يغير كان غير فى الخمس سنين اللى فاتوا لما عرف ان الناس بتكرة نظامة ، صح ولا لا ؟)



فقالت باستسلام :- ( صح )



فقال متسائلا :- ( يبقى السؤال هو لية الرئيس ماغيرش النظام اللى بيكرهه الشعب ؟؟)



ثم استدرك ساخرا :- ( دة باعتبار انى متفق معاكى انه مايعرفش حاجة وهو حلو وهما وحشين وشريرين ، فانتخابات 2005 وضحت لية الحقيقة التى كانت تخفى على سعادته اللى عندة اجهزة معلومات تجبله انا اكلت اية امبارح )



فقالت :- ( ليه يا معتصم ؟ )



فأجاب :- ( ببساطه لانه هو رأس الفساد فى المنظومة وكل دول مجرد عرايس بيحركها زى ماهو عايز ، ده يتقبض عليه ، ودة يتحاكم ودة يصدر قرار غلط ، الرئيس الحلو يغيره ، ودة ميتعالجش على نفقة الدولة فالرئيس يعالجه ، مجرد تمثيلية ابطالها افراد الحزب والحكومة ومخرجها االرئيس واحنا المتفرجين السذج )



فاجابت بحزم :- ( عندك حق ، لكن انا مش هكون سلبيه وهدلى بصوتى واقول كلمتى عشان يتحملوا وزر تزويرها هما )



واكملت :- ( لو قعدت فى بيتى وقولت زيك يبقى انا شريكة فى الجريمة بسلبيتى وسكوتى وهتحاسب قدام ربنا )



فقال :- ( ولو نزلتى يبقى بتشاركى فى المسرحية وبتدى شرعيه وهميه لنظام مزور غير شرعي والعالم هيصدق ان فى انتخابات فى مصر لكن لو قاطعنا الانتخابات العالم هيعرف انه مجرد كدب والبرلمان القادم غير شرعي )



فأجابت معترضه :- ( مش مظبوط لان مصر 80 مليون وضعاف النفوس كتير وهتلاقيهم فى كل لجنه وكل مكان والتمثيلية هتتذاع بردة فالافضل انى اعمل اللى عليا وارشح الشخص الكويس يمكن تحصل المعجزة وينجح )



فصمت برهه وكأنه يفكر فى الامر ثم قال :- ( وجهة نظر هحترمها ومش همنعك لكن الايام هتثبتلك انى كنت على حق )



فقالت بهدوء:- ( احنا ال2 على حق يا معتصم احنا ال2 هدفنا الانتخابات تبقى شرعية انا بمشاركتى وانت بمقاطعتك لكن اختلافنا فى الاسلوب والية تنفيذ الهدف ، انا هشارك وغيرى هيقاطع ، فى النهاية الحقيقة هتبان سواء اتزورت او لا ، وهتيجى فوق دماغ اللى زوروها )



واكملت برزانه :- ( احنا ال2 يا معتصم فى تفكيرنا زى قضبان القطر متوازية مش هتتقابل لكن القطر مايقدرش يمشى على قضيب واحد محتاج ال2 ، يبقى خلافنا تكامل مش تضاد )



ثم قالت بحزم :- ( والمرة دى غير اى مرة يا معتصم الشعب بقى واعى والعفريت لو اتحضر المرة دى ماحدش هيعرف يصرفه )



فقال بحب:- ( طب خلى بالك من نفسك وطمنينى بعد ماتخلصى تصويت ، هتروحى لوحدك ؟)



فاجابت نافية :- ( لا طبعا اكيد انا واختك عصمت ، دى بتكلمنى كل ساعه تاكد عليا انى اسافرلها)



فقال ضاخكا :- ( اهلا انتى مشيتى مع عصمت يبقى ان شاء الله مصيركم مباحث امن الدولة )



فقالت بزهو :- ( وماله احنا جدعان اوى ، والسجن للجدعان )



فقال مداعبا:- ( يعنى مش كفاية هتجوز واحدة بتقول انا راجل ، لا وكمان رد سجون )



فضحكت ضحكة مميزة وقالت :- ( اى خدمة جوازة سبع نجوم اهوه )



فقال :- (بحبك)



فاجابت :- ( وانا بموت فيك )



وانتهت المكالمة تاركه وراءها سؤال كبير يتردد فى نفس همت صادق مهندسة الديكور،خريجة كلية الفنون الجميلة والتى يشهد لها كل من قابلها بالتفوق والنبوغ والجاذبية سواء فى شخصيتها او مظهرها :- ( هل غدا هو يوم نجاح ام يوم فشل ؟)



*************************************


28- نوفمبر -2010



وقف شاب فى اواخر العقد الثاني من عمرة امام المدرسة الخديوية وكان يبدوا عليه الانهاك والحزن الشديد وكأنه امضى يوما طويلا شاقا وكان ينظر الى ابواب المدرسة ويتأملها وكأن عقله يسترجع تاريخ هذه المدرسة العريقة التى تأسست في عام 1836 في عصر محمد علي باشا بالقاهرة وهي تعتبر أول مدرسة ثانوية في مصر وهي أم المدارس الثانوية ،أنجبت الكثير من رجال مصر منهم الزعماء ورجال السياسة والقضاء ورجال التعليم والأدباء والفنانون والمفكرون وكان أول مدير للمدرسة هو رفاعة الطهطاوي .



أطلق عليها المدرسة التجهيزية ثم أطلق عليها الاسم الحالى (المدرسة الخديوية الثانوية بنين) في الأول من نوفمبر عام 1889 ،تم إنشاء المدرسة الخديوية بالقصر العينى بالقاهرة وكانت تعد تلاميذها للمدارس الحربية وكانت تقبل أبناء الشراكسة والأغريق والأتراك فكان العنصر المصري قليلاً بين تلاميذها ونقلت المدرسة بعد ذلك إلى أبى زعبل ثم نقلت إلى حى العباسية سنة 1863 ثم نقلت إلى شارع درب الجماميز في المكان الحالى بحي السيده زينب .



ويبدو ان جسمه المنهك لم يستطع حملة فاقترب الشاب سنا ، العجوز بهمومه ، من جدار المدرسة واسند ظهره اليه وجلس بين الاف الاوراق من اوراق الداعية الانتخابية ووقعت عينيه وسط الاوراق على بطاقة انتخابية مسودة لصالح عضوي الحزب الوطني عن دائرة السيدة زينب فامسك بها واعتصرها بين يديه ثم اسبل جفنيه وكان عقله يسترجع الاسماء التى تخرجت من تلك المدرسة العريقة ( على باشا مبارك ، امير الشعراء احمد شوقي ، الجراح العالمي على ابراهيم باشا ، مصطفى باشا كامل ،...) وهنا توقف عقلة بغته عند اسم مصطفى باشا كامل وفتح عينيه التى تملأها الدموع



وقال بحزن وأسى :- (مصطفى كامل اسس الحزب الوطنى ليحرر مصر ، فاصبح الحزب الوطنى الان يحتل مصر )



ثم اسبل جفنيه وكان عقله يردد اسم مصطفى كامل ، رجل له نصيب من اسمه ،فهو مصطفى لمهمة صعبة وكامل الأداء والفكر والخلق ،هو من ناضل ضد الاحتلال واسس الحزب الوطني وجريدة اللواء وقال اقوال شهيرة كثيرة يرددها فى كل عصر القاصي والداني ولكن اجملها واعظمها واحكمها حينما قال (ان الامة التى لا تاكل مما تزرع ، وتلبس مما لا تصنع أمه محكوم عليها بالتبعية والفناء ،وان من يتهاون فى حق من حقوق دينه وامته ولو مره واحدة ، يعش ابد الدهر مزلزل العقيدة سقيم الوجدان )



حينما ترددت تلك الجملة فى عقل ذلك الشاب سقطت دموعه رغم عنه ولم يخرجه من احزانه الا يد حانية ربتت على كتفه ففتح عينيه ونظر بعينين دامعتين فاذا به رجل كبير اشيب الشعر باسم الوجه فبادره الرجل قائلا :- ( مالك يا ابني ؟)



فقال الشاب بوهن :- ( تعبان يا والدي )



فقال الرجل :- ( اطلبلك الاسعاف او اكلملك حد من اهلك ؟ )



فابتسم الشاب ابتسامة واهنه :- ( انا اللى عندي مش محتاج دكتور يا والدي )



فاندهش الرجل وقال:- ( امال محتاج ايه ياابني)



فاجاب الشاب وهو يمسح دموعه براحتيه:- ( محتاج عدل وحريه )



فامسك الرجل بمعصم الشاب وهو يساعده على النهوض ثم قال وقد فطن لمغزى كلمات الشاب :- ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم )



فقال الشاب موافقا وهو يسير بجانب الرجل :- ( عند حق )



فقال الرجل متوددا :- ( اسمك اية ياابني )



فقال الشاب بأدب :- ( اسمي عادل شفيق )



فقال الرجل وهو يمسك يد الشاب :- ( وانا عمك صالح عبدالملك المواردي ، عطار ، ومش هسيبك الا لما تيجي تشرب معايا ينسون فى المحل وتغسل وشك ، انتوا عمرنا اللى جاي يابنى ماتعجزوش قبل الاوان )



فقال الشاب باستحياء:- ( بس انا مسيحي يا ولدي )



فابتسمت الرجل وهو يمسك كتف الشاب ويهزه بشده :- ( انت مصري يلا ، وبعدين المسيحيين اجدع ناس انت ناسي ياواد القمص سرجيوس خطيب ثورة 1919 قال ايه ؟)



فقال الشاب باسما وهو يسير بجوار الشيخ الباسم :- ( قال اية يا والدي )



فقال الرجل بوطنيه شديده :- (لقد عاش القمص سرجيوس فى الأزهر لمدة ثلاثة شهور كاملة يخطب فى الليل والنهار مرتقياً المنبر، معلناً أنه مصرى أولاً ومصرى ثانياً ومصرى ثالثاً، وأن الوطن لا يعرف مسلماً ولا قبطياً، بل مجاهدون فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء)



فقال الشاب ممتنا :- ( لا مش ناسي يا عمي وهو اللى قال لما حاول عسكري انجليزي يقتلة فى المظاهرات وكان الناس بيحذروه فقال ومتى كنا نحن المصريين نخاف الموت!! دعوه يُريق دمائى لتروى أرض وطنى التى ارتوت بدماء آلاف الشهداء،دعوه يقتُلنى ليشهد العالم كيف يعتدى الإنجليز على رجال الدين )



فابتسم الراجل وهو يجذب الشاب ليجتازوا الشارع :- ( لا ومش بس كدة ده وقف هو والشيخ القاياتى يتناوبان الخطابة من فوق منبر جامع ابن طولون، لحد ماتخنق الإنجليز فأمروا بنفيهما معاً إلى رفح فى سيناء ، وكانا يتغنيان بأناشيد حبهما لمصر طوال الوقت وعاشا سويا ثمانون يوما فى المنفى )



فقال الشاب وقد تبدل حاله تماما من الاسى للسعادة ومن الوهن للقوه :- ( ده هو كمان اللى قال لو أن الإنجليز متمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية الأقباط فليمت القبطيين وليحىيى المسلمون أحرار )



فقال الرجل باسما :- (طب شوفت بقى ، يبقى المسيحيين اجدع ناس ولا مش اجدع ناس )



فقال الشاب ضاحكا :- ( المصريين اجدع ناس )



فجذبه الرجل ودخلا محل كبير للعطارة وهو يقول لاحد اتباعه :- ( اتنين ينسون يا رفعت الله يخليك )



فقال رفعت :- ( هوا يا حاج )



جلس الحاج صالح خلف مكتبة وجلس عادل أمامه بعد ان غسل وجهه وعدل من هندامه فى حمام ملحق بغرفة المكتب ثم بادره الحج صالح قائلا :- ( ايه بقى اللى شوفته يا ابني وتعبك وخلاك فى الحاله اللى شوفتك عليها دي ؟ )



فتنهد الشاب تنهيدة حارة ثم قال:- ( انا مراقب للانتخابات تابع لأحد الجمعيات الحقوقية وسافرت وروحت اللجنه اللى المفروض اراقب فيها )



فقال الرجل بهدوء:- ( ها وشوفت اية هناك بقى يا عادل )



فقال عادل بحنق وغضب :- ( شوفت الظلم والتزوير )



فقال الرجل :- ( زي اية يعنى ؟ )



فقال الشاب وهو شارد وكانه يتذكر ما شاهد :- ( اولها ضرب نار وارهاب لمنع الناخبين من الادلاء باصواتهم )



فقال الرجل :- ( بلطجية يعنى ؟ )



فابتسم الشاب من الاسى وقال :- ( ماكنتش تعرف تفرق بين البلطجى والشرطي ال2 كانوا بلطجية )



فهم الرجل ان يجيب لولا ان قاطعهما رفعت وهو يقدم الينسون قائلا:- ( اتفضل يا استاذ ، اتفضل يا حاج )



فقال الحاج صالح :- ( انت روحت انتخبت النهاردة يا رفعت ؟ )



فقال رفعت :- ( لا يا حاج ما روحتش )



فقال عادل متسائلا :- ( ليه ماروحتش يا رفعت ؟ )



فقال رفعت :- ( لان صوتى مالوش قيمة ، واللى عايزاه الحكومة ينجح هينجح وعشان ابقى صريح اللى زي لو راح هيدي صوتة للى بيدفع فلوس وانا بصراحة بستحرم فماروحتش )



فشرد عادل ، فقاطعه الحاج صالح قائلا :- ( اية سرحت فى اية يا عادل ؟)



قال عادل :- ( اية فايدة انى اراقب او اتظاهر او اتعب عشان شعب مستسلم وسلبي كده )



فقال الحاج صالح :- ( التنوير )



فاندهش عادل ثم قال :- ( تنوير !!! )



فقال الحاج صالح مؤكدا :- ( ايوه تنوير ، تفتكر لو البلد دى جه عليها يوم ثارت عشان تتغير تفتكر انتوا اللى هتثوروا وتغيروا ؟)



فقال عادل:- ( بالتاكيد )



فابتسم الحاج صالح ثم قال نافيا :- ( لا ، انتوا تتظاهروا تنتفضوا ، لكن اللى هيحولها لثورة هما الناس اللى زي رفعت ، السلبيين اللى ماشيين جنب الحيط ، عارف ليه ؟)



فقال عادل منتبها :- ( ليه يا حاج ؟)



فاجاب الحاج صالح :- ( لان الناس دى يوم ما هتطلع ماحدش هيعرف يرجعها تانى ، لانها ساعتها يااما تموت ياما مطالبها تتحقق لان خلاص اللى كانوا بيخافوا علية على اد قلته اكيد هيكون راح منهم عشان كده خرجوا ، واللى ماعندوش حاجة يخاف عليها لازم تخاف منه )



فقال عادل:- (عندك حق ، بس مافتكرش انهم ممكن يخرجوا )



فقال الحاج صالح :- ( احسن الظن بالناس يحسنوا الظن بك يا ابني)



فقال عادل يائسا :- (اللى شوفته انهارده خلانى بقيت بشك حتى فى نفسي )



فقال الحاج صالح :- (يعنى مش ناوي تنور الناس بعد النهاردة ؟ )



فقال عادل :- ( مش عارف )



فابتسم الحاج صالح وهو يعود للخلف بكرسية ويرشف بعض رشفات من الينسون ويقول :- ( لالا انت اى كلام بقى وعضمك طري ، دة كان فى واحد زمان اسمه جيفارا قال ، ان الطريق مظلم وحالك فأذا لم تحترق انت وهما فمن سينير الطريق؟ )



فعلت ضحكات عادل وقال :- ( جيفارا قال يا حاج انت وانا مش انت وهما )



فقال الحاج صالح وهو يرفع يديه بشكل كوميدي :- ( لالا انا ماليش دعوه ياعم ، انا عندي عيال عايز اربيهم )



فضحك عادل بشده ثم قال :- (يعنى لو انا ابنك كنت هتسبينى امشى فى نفس الطريق بتاع التنوير دة ؟ )



فابتسم الحاج صالح وقال :- ( على فكرة ابنى عبدالرحمن مراقب زيك وسافر النهارة لان مراقبته فى لجنة البرلس وبلطيم والحامول )



فانتبه الشاب وقال باندفاع :- ( يا نهار ابيض دى من اكتر اللجان اللى اتزورت فى مصر )



فاجاب الحاج صالح موافقا :- (عارف ، عبدالرحمن لسة مكلمنى من شوية ، وبيقولي حمدين صباحي انسحب من بدري بسبب التزوير )



ثم أكمل مستوضحا :- (ها كمل بقى اية غير ضرب النار والبلطجة شوفتة النهاردة )




فحرك عادل وجهه بامتعاض وقال :- ( رشاوي قدام اللجان عيني عينك ، ضرب المراقبين زيي وزي غيري من بقية الجمعيات والمجتمع المدني )



ثم اكمل :- ( ومندوبين المرشحين اتمنعوا من دخول اللجان او انطردوا منها وطبعا بتوع الحزب الوطني لا )



( فيديوهات على النت وفى كل مكان وهما بيزوروا وبيسودوا البطاقات ، انا نفسي لاقيت منها كتير على الارض )



( دة غير الاعتقالات اللى قبل الانتخابات لانصار المرشحين وخاصة بتوع الاخوان )



( ضرب الصحفيين والمراسلين وتكسير الكاميرات ، حاجة قلة ادب )



فقال الحاج صالح :- ( وانت بقى زعلان انك روحت تراقب ولا زعلان على التزوير )



فقال عادل :- ( الا تنين )



فقال الحاج صالح :- (طيب لو انت وابنى واللى زيكم ماروحتوش كنا هنعرف منين دة كلة )



ثم اكمل :- ( لو كل صحفي ومراسل قاطع ومارحش كان مين هيصورلنا الحقيقة ويكتبلنا عنها )



فسكت برهه ثم تابع : ( مهما كانت الحقيقة مرة وبتوجع يا عادل مافيش مافر من اننا نعرفها دة لو عايزين نتغير )



فنظر عادل للحاج صالح ثم قال بخجل :- (عندك حق يا حاج )



فقال الحاج صالح :- ( انت فاكر ان العصر دة هو عصر الفساد والظلم والذل بس ؟)



فقال عادل:- ( طبعا )



فهز الحاج صالح رأسه نافيا :- ( مش صحيح كل عصر ليه الشطار بتوعه وجلادينه ، ايام الملك كان إقطاع وذل وانكسار ومصر مش ملك للمصريين وعلى الرغم من دة بتسمع دلوقتى ناس بتترحم على ايام الملكية )



ثم تابع :- ( وجة انقلاب عبدالناصر واللي معاة وانضم ليهم الشعب فبقت ثورة واتغيرت وجوه الشطار والجلادين لكن السياسة واحدة ، بدل البشوات بقى ظباط وبدل القصر بقى مجلس قيادة الثورة وبدل العيب فى الذات الملكية بقى اعداء الثورة )



( عبدالناصر كان كويس لكن مسؤل عن كل الناس اللى اتعذبت فى عهدة والانهيار الاقتصادي والنكسة لانه الراعي ، الراجل طلع الانجليز واممم القناه وبنى السد وعقد اتفاقية مياة النيل ، بس كمان دمر اقتصاد مصر وضيع الدهب على قبائل اليمن واتسبب هو اللى معاه فى النكسة وترك السلطة فى ايد ساديين ومتوحشين كانوا بيشاركوا الناس فى اودة نومهم، لكن بردة بتسمع دلوقتى عن اللى بيتمنى حكم عبدالناصر )



ثم اكمل :- ( وجة السادات وهد المعتقلات وقضى على كل عصر عبدالناصر وخد قرار الحرب وخد قرار السلام ورجع الارض ، لكن كمان قسم التركة على شوية منتفعين نهبوا مصر وخيرها وادار مصر باسلوب العمدة والمصطبة ،والمعتقلات اللى هدها فى بداية عهده ، لم فيها خيرة مثقفين مصر فى اخر عهده ، فطلع ليه واحد كان نتاج لافعاله قتله ، وبردة بنسمع عن اللى بيتمنى زمن السادات )



ثم قال متسائلا :- ( عارف دة معناه اية يا عادل ؟)



فقال عادل متلهفا لسماع الاجابة :- ( معناه اية يا حاج ؟ )



فقال الحاج صالح :- ( معناه ان الناس بتنسى بسرعة ومش بعيد يجي جيل بعد انهيار النظام الحالي يترحم على عهد مبارك )



فقال عادل يائسا :- ( وتفتكر النظام دة ممكن ينهار اصلا )



فابتسم الحاج صالح وقال بثقة :- ( بالتاكيد هينهار )



فقال عادل مندهشا :- ( انت ازاى واثق كده ؟ )



فاجاب الحاج صالح :- ( التاريخ بيقول كدة ، يا أما احنا هنثور عليه ، يا أما النظام هيتغابى وينهار ، يا أما كارثة من عند ربنا تخليه ينهار )



ثم اكمل :- ( مصر يا عادل لم يأتها بعد الحاكم الذى تستحقه )



فقال عادل :- ( طيب ودة هييجى امتى ؟ )



فاجاب الحاج صالح قائلا :- ( لما نبطل نخاف من الحرية )



فقال عادل مندهشا :- ( وهو فى حد بيخاف من الحرية )



فقال الحاج صالح :- ( معظم الشعب المصري بيخاف منها ، لانها مسؤلية وماحدش فينا عايز يشيل مسؤلية )



ثم تابع :- ( الحرية مش كلمة او شعار لا ، لانك لو بقيت حر وماعرفتش مسؤلية الحرية دى واية واجباتك قبل حقوقك هتبقى فوضى وهنضيع البلد )



فتسائل عادل :- (طيب ازاى اصلا نحصل على الحرية ؟ )



فقال الحاج صالح :- ( لما نبطل نتسولها او نطلبها ، فالحرية لا تطلبها الشعوب بل تحصل عليها بسواعد ابنائها )



فابتسم عادل وقال :- ( انت حكيم ومثقف اوي يا حاج )



فقال الحاج صالح :- ( يمكن اكون مثقف يمكن اكون حكيم لكن مصر مش محتاجانى دلوقتى مصر محتاجة حد تانى )



فقال عادل :- ( حد زي مين ؟ )



فاجاب الحاج صالح :- ( مصر محتاجة ثوار ، يغيروا مصر ، وبعد كدة يسمعوا لحكمائهم ومثقفينهم يا عادل )



وخرج عادل بعد حديثة مع الحاج صالح وقد تغيرت الكثير من الافكار بداخلة وتعلم المزيد من الاشياء وان ظلت كلمة الحاج صالح ترن فى اذنه طوال الطريق وهو فى طريقه الى منزله :- (مصر تحتاج الى ثوار )



**************************


31- نوفمبر-2010



على أرض صعيد مصر تلتقي عبقرية الماضي، وأمجاد الحاضر، وأحلام المستقبل وإن النيل الذي نسير الآن فوق شطآنه، كان دائما صاحب الكلمة العليا وهو الذي صنع الحضارة وسقى الأرض، وأحيا الشعب، فعلى هذه الشواطىء قامت الحياة، ونما الزرع، واخضرت الأرض، وتوالت أجيال وراء أجيال، تشّيد أعظم حضارة صنعها الإنسان طوال أكثر من سبعة آلاف عام ونشهد أبرز مظاهرها هنا فى مدينة أسوان شرق السد العالي .



عرفت مدينة أسوان في اللغة المصرية القديمة باسم "سونو" بمعنى السوق؛ حيث كانت منطقة تجارة، ومحطة للقوافل التجارية، وقد حرّف الإغريق ذلك الاسم إلى "سين" ثم أَطلق عليها الأقباط "سوان" وعندما قدم العرب إليها في القرن السادس الميلادي نطقوها "أسوان"


وهى المدينة التى ولد فيها الاديب الكبير عباس محمود العقاد ، الرجل الذي وقف فى مجلس النواب في يوم17 يونيو سنة1930 وكان عضوا فيه ليقول بصوت رجولي قوي شجاع (ألا فليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته )



جلس مجموعه من الشباب فى قاعة الأعمدة الكبرى بمعبد ابو سمبل وهى القاعة التى تقع بعد الساحة الامامية للمعبد وسقفها محمول على ثمانية أعمدة أمام كل منها تمثال ارتفاعه عشرة أمتار للملك "رمسيس" أما السقف فهو مُزين بنسور (عقبان) تمثل أوزوريس ، والنقوش التى على الحوائط تمثل الفرعون ("رمسيس") فى معارك مختلفة منتصراً كالمعتاد .



وكانوا يتناقشون حول نتائج الجولة الاولى من الانتخابات البرلمانية الاخيرة وقد كان الجميع ممتعضا من النتائج التى تشم رائحة التزوير فيها من على بعد وقال احدهم مستاءا وهو يعتصر جريدة بين راحتية :- ( دى فضيحة ، مين يصدق ان حزب واحد ياخد معظم مقاعد البرلمان فى الجولة الاولى )



فضحك احدهم بعصبية ثم قال :- ( لا والاعادة معظمها بين حزب وطنى مع حزب وطنى)



فجذب احدهم الجريدة من يد صاحبة واخذ يقلبها بين يدية ثم قال ممتعضا :- ( دة مانجحش ولا واحد اخوان ، كلهم سقطوا )



فتسائل احدهم :- ( امال فين الاحزاب التانية ، دة مانجحش غير مرحش هنا ومرشح هناك )



فقال اخر:- ( واضح كدة انهم سقطوا الكل و وقعوهم فى بعض )



فابتسم اخر وقال :- ( وحتى لو نجحوا ، يعنى هيعملوا اية ؟ ، ولو خدوا ثلث البرلمان اصلا ولا هيعملوا حاجة )



فوافقه اخر قائلا :- ( عندك حق فى 2005 كان 88 اخوان ، 7 احزاب، 19 مستقل وبردة الحكومة والحزب الوطني عملوا اللى هما عايزينه )



فاعترض اخر قائلا :- ( الفرق كبير 2005 كان فى مظهر من مظاهر المعارضة بتدى شرعيه نسبية للبرلمان ، لكن دلوقتى مافيش معارضة اصلا فالبرلمان بقى غير شرعي ومشكوك فيه )



فأكمل اخر موافقا :- ( يبقى جنت على نفسها براقش يا صديقي، واللى حصل دة مش فى مصلحة الحزب الوطني بالعكس دة غباء سياسي هيدفعوا ثمنه غالي )



فقال اخر بتشاؤم :- ( ولا هيدفعوا ثمن ولا حاجة لاننا شعب مابيتحركش وهيبيعوا اللى فاضل من البلد خلال الخمس سنيين الجايين ، ويورثوا الحكم فى الانتخبات الرئاسية الجاية ، ويظبطولهم كام قانون يخدم رجال الاعمال ويتحرق الشعب )



فاعترض على كلامه المجموعه وقال شاب كان يجلس صامتا طول الجلسة :- ( لا يا محسن ، فعلا الحزب الوطنى بقى فى ازمة ومتورط ، وهتشوف فى الاعادة مش بعيد يزوروا الانتخابات للاحزاب او الاخوان عشان يخلقوا شرعية للبرلمان ، بس مهما عملوا خلاص البرلمان دة فى نظر الشعب والعالم مزور )



فقال محسن :- ( تفتكر مين اللى ورطهم التوريطة دى )



فاجابة الشاب :- ( اللى ورطهم مجموعه من الاغبياء ، هما اللى اداروا العملية الانتخابية مع الشرطة )



فقال محسن :- ( تقصد احمد عز)



فاجاب الشاب :- ( مش احمد عز لوحده مهندس عملية التزوير دي ، المكتب السياسي للحزب الوطنى كله مشارك بشكل او باخر ، يبقى بندي احمد عز اكبر من حجمة لو اعتبرناه المسؤل الحقيقي عن ده ، لان غباء فرد ممكن السيطرة عليه لكن غباء مجموعه بتكون نتايجه اللى انت شايفه ده )



ثم تابع قائلا:- ( السلطة يا ااصدقائي لا تفسد الرجال ، انما الاغبياء ان وضعوا فى السلطة فانهم يفسدونها )



فساد صمت بعد كلمات ذلك الشاب لم يكسره الا صوت الرائع الراحل احمد منيب الذي كان يصدح باغنية شجر اللمون والصادر من راديو كاسيت كان بحوزة احدهم ، وشرد كل منهم فيما يخصه وان كان هناك شعور واحد تملكهم جميعا وهو القلق عن ما ستؤل اليه الاحداث فى الايام القادمه .



6 - ديسمبر -2010



جلست عصمت حلمي فى غرفتها فوق فراشها ، تضع حاسبها الشخصي ( اللابتوب ) فوق قدميها وقد كانت منهمكة فى المناقشة مع اصدقائها على الشبكة العنكبوتية حول النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الاخيرة




وفى تعليقا لها على احد شباب حركة 6 ابريل الذي كتب :- ( عشان الناس تسمع كلامنا بعد كدة ، فضلنا نقول ماحدش يشارك وقاطعوا الانتخابات ، ماحدش سمع كلامنا ودى كانت النتيجة )



فكتبت عصمت معترضة :- ( دة كلام مش مظبوط ولو ماكناش شاركنا ، كنا ازاى هنفضح التزوير للعالم ، لو كل الاحزاب والمستقلين قاطعوا وبقت الانتخابات حزب وطني فى حزب وطني ماكنش هيبقى فى تزوير اصلا ، المشاركة هى اللى فضحتهم )



فكتب ذلك الشاب :- ( لا ، لو كان كل الاحزاب والشرفاء ماشاركوش من الاول ماكنش هيبقى فى شرعية للانتخابات )



فكتب عضو الجروب على اسامة :- ( بتتكلم عن شرعية ادبية ولا شرعية قانونية ؟ ، كلامك ينطبق على الشرعية الادبية ودى لا تغنى ولا تثمن من جوع ، اما الشرعية القانونية ملهاش علاقة الاحزاب اترشحت ولا قاطعت)



فكتب اشرف صبحي :- (طيب انسحاب الوفد والاخوان والناس اللى انسحبت دي يعتبر اية ؟ )



فرد على اسامة كاتبا :- ( دة يعتبر زى مابيقولوا اثبات حالة ، الناس شافت تزوير واضح وعلنى فانسحبوا لتحويل الامر لقضية رأي عام والعالم كلة يعرف ان الانتخابات المصرية مزورة وغير شرعية )



ثم تابع :- ( لكن قانونيا لا يؤثر على عضوية البرلمان ، الاجراء القانونى تقديم الطعون واثبات التزوير بالدلائل عشان القضاء يلغى الانتخابات فى الدوائر التى يتم اثبات التزوير بها )



فكتبت رشا البنداري:- ( ااه عشان ييجي مجلس الشعب يقولك المجلس سيد قراره وماينفذش قرارت المحكمة )



فأكمل سعد القوصي :- ( على فكرة يا جماعة الاحزاب والاخوان وغيرهم من اللى انسحبوا ، دول انسحبوا لان الحكومة ملتزمتش بالاتفاق اللى كان بينهم وبين بعض بعدد المقاعد اللى اتفقوا عليه ، دى تورتة وبتتقسم بينهم ، وكلهم عرايس فى ايد النظام ، اى حزب منهم لو بقى مكان الوطني هيكون زي الوطني ، كلا يغني على ليلاه وكل حزب او جماعة ومصلحتها ، ماحدش بيدور على مصلحتنا )



كتب سامح شوقي:- ( استاذ سعد احترم وجهة نظرك ولكن هذا غير صحيح ، انا عضو فى حزب الوفد ، والحزب لا اتفق مع الحكومة ولا مع حد على شىء ، الحزب شارك لان رئيس الجمهورية قدم وعد علني قدام العالم كله ان الانتخابات تكون شريفه ونزيهه، واحنا كحزب من حقنا نشارك لنقوم بدورنا فى تحسين الاوضاع فى المجتمع ، احنا مش عملاء عند حد ولا عرايس فى ايد حد )



فكتبت عصمت حلمي :- ( انا بتفق تماما مع الاستاذ سعد ان اى حزب او جماعة لا تعبر عنا كشعب ولكن تعبر عن مصالحها هي ، الاحزاب المصرية ماهى الا ديكور للنظام الحالي ، واللى بيعبر عن الشعب المصري هو الشعب المصري اللى هييجي يوم ويقول كلمته ، وساعتها هيقع النظام كاملا سواء كان حزب وطني اواحزاب وجماعات وحركات غير فعاله )


ومع اخر حروف كلماتها جائتها رسالة تنبيهية بدخول همت صادق على برنامج التواصل الاجتماعي ( ياهو ماسنجر ) فراسلتها قائلة :- ( هاى همت )



همت :- ( هاااى ، ازيك يا عصومه )



عصمت :- ( مش حلوة خالص يا همت )



همت :- ( ليه بس يا بنتي اية حصل ؟)



عصمت :- ( شوفتي نتائج الانتخابات )



همت :- ( يوه بتفكريني ليه بس، انا من يوم ماتقابلنا سوا عشان نروح ننتخب ، عايزة امسح التاريخ دة من ذاكرتي بأستيكة )



عصمت : ( L )



همت : ( المشكلة انى قعدت اتناقش ساعة مع اخوكي معتصم عن ضرورة المشاركة والواجب الوطني وعدم السلبية واديته محاضرة ، لكن اكتشفت ان كل كلمة قلهالى كانت صح ، ومن ساعتها مطلع عيني كل ما أناقشة فى حاجة يفكرني بالانتخابات )



عصمت :- ( بس احنا صح يا همت لازم نشارك ومانبقاش سلبيين ولا نستسلم لازم نقول كلمتنا ونفضح المزورين )



همت :- ( عندك حق انا مقتنعه بده بس كل اللى حوالينا بيقول العكس ، مين يقول حزب واحد يا خد 420 مقعد فى البرلمان ، والاحزاب تاخد 16 مقعد والاخوان 1 ومستقليين تبع الحزب الوطني 68 )



عصمت بعصبية:- ( هههه والمصيبة ان الاحزاب ماخدتش المقاعد دي بمجهودها ، الوطني زور ضد الوطني عشان ينجح اللى لحق ينجحهم من الاحزاب ، شوفتى كدا فى الدنيا حزب يزور لنفسه وكمان ضد نفسة )



همت :- ( بجاحه )



عصمت :- ( لا دي قلة ادب ، واستخفاف بالشعب المصري، فاكرنها عزبة اللى جابوهم )



همت :- ( للاسف يا حبيبتي هى بقت عزبة اللي جابوهم ، تعالي شوفي الفلل اللى بصممها ولا القصور ، تحسي انك مش فى مصر ، وكأنهم مش مصريين ولا حسين بالبلد ولا الناس )



عصمت :- ( هى بيوتهم بس، الافراح اللى بروحها انا وانتى والبزخ والسفه اللى عدى كل الحدود )



همت :- ( طب وبعدين يا عصمت ؟ هتفضل بلدنا كدة لأمتى ؟)



عصمت :- ( تعرفي مالكوم أكس ؟)



همت :- ( ايوة طبعا دة واحد من اشهر المناضلين السود المسلمين ضد العنصرية فى امريكا ومات صغير )



عصمت :- ( بالظبط ، الراجل دة قال جملة افتكر انها حل لــ اللى احنا فيه دة )



همت :- ( اية هي ؟ )



عصمت :- ( قال :- لقد تعلمت باكراً أن الحق لا يُعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد )



فكتبت همت موافقه :- ( تصدقي دة نفس المعنى اللى قالوا جيفارا :- الثوار يملؤون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء )



عصمت :- ( لازم الشعب يحدث بعض الضجيج حتى نحصل على ما نريد )



همت :- ( لا مش بعض الضجيج ، لازم كل الضجيج ، لاننا نايمين بقالنا ثلاثين سنه )



وافترقا وكل منهما تفكر فى شكل الضجيج الذي يمكن ان يحدثه الشعب المصري ليحصل على حقوقه ......




19- ديسمبر -2010



جلس مجموعه من المغتربين والمبتعثين المصريين فى واحدة من أكبر الحدائق الموجودة في العالم عامة وفى لندن خاصة هي حديقة (هايد بارك ) ، إحدى الحدائق الملكية الشهيرة وتضم بحيرة كبيرة إضافة إلى مجموعة من النوافير وتشتهر بوجود ما يسمى محلياً سبيكرز كورنر (Speakers Corner) التي تعني زاوية الخطباء أوالمتكلمين والتي تقع في القسم الشمالي الشرقي من الحديقة وهي المكان الذي يجتمع فيه المتحدثون كل يوم أحد لإلقاء كلمة أو التحاور حول موضوع ما ، بكل حريه .



وكان الحديث يدور حول الانتخابات البرلمانية الاخيرة فى مصر اضافة الى خطاب رئيس الجمهوية فى افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة



منى الشهاوي :- ( انا حزينه بجد على اللى بيحصل فى مصر )



كامل عبدالصبور:- ( الصورة مش قاتمة اوي كدة زى ما بيصورها الاعلام فى مبالغات كتير )



كوثر وصفي:- ( لا يا دكتور كامل الصورة اقل بكتير من الواقع ، مصر عايشة فى ظل حكم قمعي واستبدادي ومش ناوي يتغير )



معتز شاكر :- ( عندك حق با دكتورة كوثر مش ناوي يتغير بدليل التزوير الاخير فى الانتخابات والاستخفاف بعقول الشعب والمجتمع الدولي )



ديفيد صادق :- ( دول شلة حرامية بتحكم مصر ، وكل اللى بيحصل دة تمهيد للتوريث ، ماكنش ينفع ييجى برلمان قوي ونزيه وهما عايزين يجيبوا جمال مبارك رئيس ، كنا لازم نفهم من البداية كده )



محمد ضيف :- ( بس المره دي طلعوا اغبياء اوي ، طول عمرهم بيزوروا على المداري ، لكن المرة دى مفضوحة جدا ، برلمان 90% منه حزب واحد )



فضحك ادهم الصاوي وقال:- ( على رأي الرئيس السادات دول لازم يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي )



شوق نصيف :- ( بس انا شايف انهم طول عمرهم اغبياء وتزويرهم مفضوح ، بس الفرق بين زمان ودلوقتى ، ثورة الاتصالات، موبايل يصور التزوير، فضائيات ومراسلين تنقل الحقيقة ، انترنت يتناقش علية الشعب بدون خوف بعيداعن التعتيم الرسمي الحكومي )



ساره عاطف :- ( عندك حق يا شوقي ، المشكلة كمان انهم بيكدبوا الكدبة وبيصدقوها ، لو تابعت كل مؤتمرات الحزب الوطنى تكتشف انهم مصدقين انهم فازوا بمجهودهم والشعب بيحبهم )



علي فاروق :- ( ده نوع من التضليل الاعلامي يا ساره ، هما عارفين كويس جريمتهم لكن بيحاولوا يوهموا الناس بالعكس ، ومش بس الناس بعض المنتسبين ليهم كمان مضللين )



معتز شاكر :- ( بيقولوا بعض النواب السابقون والشخصيات العامة والحزبية وبعض الحركات من الشباب هيشكلوا برلمان موازي )



مازن الشوربجي معلقا على حديث معتز :- ( انت شوفت خطاب مبارك النهارده )



فاجابت منى الشهاوي :- ( انا شوفته ، وحرق دمي )



مازن الشوربجي :- ( فى وسط خطابه كان بيتكلم عن ضرورة السعى فى المرحلة المقبلة لتحرك «مواز» لتوسيع تطبيق اللامركزية )



ثم اكمل مازن ساخر:- ( وانتو عارفين ان مبارك سكر راح قايل «مش البرلمان الموازى طبعا » )



فأكملت منى :- ( وطبعا البرلمان المنافق كل اعضاؤه ضحكوا وقعدوا يصفقوا )



فاكمل مازن :- ( ومش بس كدة ، دة قال باللفظ رد على موضوع البرلمان الموازي «خليهم يتسلوا »)



ديفيد صادق :- ( الحقيقة خفة دم سيادته دايما ملفته للنظر )



فقال علي فاروق موجها حديثه لمعتصم حلمي :- ( ايه يا معتصم ماحدش سمع صوتك من ساعة ماجينا ، انت مخاصمنا ولا اية يا عم )



فداعبة شوقي ضيف قائلا :- ( ولا يمكن تبع الحزب الوطني ومش عاجبه الكلام )



فقال معتصم باسما :- ( تعرفوا ان استخفاف مبارك النهاردة فى مجلس الشعب بفكرة البرلمان الموازي لما قال خليهم يتسلوا ، هى دى بداية النهاية لحكمة )



فتسائل كامل عبدالصبور بانتباه :- ( ازاي يا دكتور ؟)



فتابع معتصم :- ( على الرغم انه نظام فاسد واستبدادي الا اننا لازم نعترف انه نظام منظم جدا ، وده عشان يحافظ على نفسه ، ودايما التصريحات السخيفة كانت بتصدر من الحكومة او الحزب ، لكن مؤسسة الرئاسة ديما كانت بتحافظ على ادعاء الموضوعية والرصانه والهدوء والجديه )



ثم هز رأسه واكمل :- ( لكن كلمة مبارك انلهاردة ضد كل ده ، وملهاش غير معنى واحد )



فانتبه الجميع دون ان ينطقوا فقال معتصم :- ( ان النظام اصيب بسرطان الانظمة )



فتسائلت العيون عن مغزى التعبير فاجاب معتصم :- (الزهو والكبر والتعالي يؤدي للغباء السياسي ، والغباء هو سرطان الانظمه )



ثم تابع :- ( الغباء هو السرطان الذي يصيب الانظمه فتسقط وتتهاوى فى لحظة ، ومن حديث مبارك اليوم أؤكد ان هذا السرطان أصاب رأس النظام ، والسقوط سيكون سريعا لدرجة اننا سنظل فترة طويلة لاستيعاب كيف سقط بتلك السرعه)



وتابع وكأنه ينزل بكلمات النهاية:- ( لقد تعدى النظام الخط الاحمر مع شعبه ، فالشعب يمكن ان يفرط فى حقوقة ، وان يتغاضى عن السرقات ، لكنه لن يسمح للحاكم ان يتعالى عليه )



( فالشعب المصري هو من صنع الفرعون ، ولكنه لا يسمح للفرعون ان يعلنها صراحة انه فرعون ، وتعبير مبارك اليوم يعد بمثابة اعلان انه فرعون وماهي الا فترة وجيزه وتتحرر مصر )



فتسائلت سارة عاطف :- ( تتحرر من اية ؟)



فأجاب معتصم :- ( من الخوف )



وتلاقت العيون لتعلن موافقتها على التحليل الذي ساقه معتصم ، وتملكت الجميع مشاعر التفاؤل أن ساعة الحرية قد اقتربت ...


***********************************

ومع الثوار دائما للحديث بقية لكي نتدبر وندرس كيف وصل الابطال من هذا الوطن الى الميدان .....ميدان الحريه